لم يمرّ الموقف السعودي المسيء بحق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون "مرور الكرام" عند رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. التزمت دوائر القصر الجمهوري الصمت. في حين أنّ وزير الخارجية أمسك الرياض من اليد التي توجعها. مرحلة القفازات الدبلوماسية بالتعاطي مع الدولة الخليجية قد انتهت.
ردّ باسيل على ما ورد في الإعلام السعودي الرسمي "عكاظ" خلال جولته في البقاع الشمالي، قائلاً: "عندما تواجهنا "إسرائيل" أو يهاجمنا الإرهاب، فإننا كلنا لبنانيون وكلنا حزب الله وتيار وطني حر وكلنا مقاومة"، مشيراً إلى أنّ "استهداف الشيعة هو استهداف لقوة لبنان، والمطلوب اليوم كسر المقاومة في لبنان، لأنها تواجه "إسرائيل" والإرهاب، ولذلك ليست لدينا عقدة القول إننا معها لبنانيون أولاً وشيعة ثانياً".
تقول "عكاظ" في مقال ورد في إحدى صفحاتها إنّ الرئيس عون "يدعم كذب وزير خارجيته الذي ادّعى أنّ إعلان الرياض صدر وهو في الطائرة بطريق عودته إلى بيروت رغم حضوره كامل أعمال القمة، وموافقته على ما تناولته من قضايا. إنّ موقف عون، وكذب باسيل ليسا مستغربين، فلا أحد على الإطلاق في الحالة اللبنانية، التي تجنح بين الحين والآخر للغرابة الشديدة، يمكنه فهم تلك الأسرار". تزعم الصحيفة أنّ "رئيس الجمهورية متعدّد المرجعيات، ولطالما نقل بندقيته من كتف إلى آخر وفقاً لمصالحه الشخصية الضيّقة". وتستعيد حقبة الحرب الأهلية اللبنانية بوصفها فخامة العماد بـ"السفاح".
قال الرئيس عون الأسبوع الفائت "صحيح مئة في المئة ما قاله الوزير باسيل عن الموقف اللبناني من إعلان الرياض". موقف رئيس الجمهورية الرافض اتهام حزب الله بالإرهابي فجّر القلوب المليانة سعودياً ضدّه. صوّبت مملكة آل سعود سهام أدبياتها التشهيرية تجاهه مستخدمة أسلحة السباب والشتم عبر صحفها المحلية الرسمية. فهي ترفض كلّ مَن يخالفها الرأي.
يؤكد قطب سياسي بارز لـ"البناء" أنّ الرئيس عون هو المعني الثاني بعد قطر بالحملة السعودية ما بعد القمة. فتغريدة باسيل عن البيان شكلت فضيحة للقمة الأميركية - الخليجية، فهو أطلق موقفاً ساهم إلى حدّ كبير بخلخلة مشهد رغبت الرياض بتقديمه عن القمة وعن نتائجها.
منذ وصول العماد عون إلى سدة الرئاسة وتلبيته السريعة للدعوة السعودية وما شابها وما رافقها في حينه، بقيت علامات الاستفهام الكبيرة قائمة حول حقيقة العلاقة بينه وبين السعوديين، خاصة أنّ الرئيس لم يحظ باستقبال رسمي في المطار (استقبله حينذاك أمير الرياض فيصل بن بندر بن عبد العزيز، ووزير الدولة المرافق إبراهيم العساف وأركان السفارة اللبنانية في المملكة، والقائم بأعمال السفارة في بيروت وليد بخاري) وقيل الكثير عن عدم الحفاوة التي رافقت زيارته "الرياضية".
سبقت ذلك، زيارة وزير الدولة للشؤون الخليجية ثامر السبهان بيروت بعد الانتخابات الرئاسية ومحاولة تثبيت ما سُمّي "خطة المملكة" لانتخاب عون، علماً أنّ هناك تشكيكاً بالدور السعودي الذي حاول متأخراً اللحاق بركب كرّست أساسه إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك اوباما مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية يومذاك.
طفح الكيل السعودي عندما أكد الرئيس عون في حديث إلى CBC المصرية أنّ "سلاح حزب الله لا يتناقض ومشروع الدولة وهو جزء أساسي من الدفاع عن لبنان". شكلت تلك المقابلة ذروة القلق السعودي المكنون في الصدور من رئيس الجمهورية، فالأخير جوبه بحملة صامتة كانت تخرج أحياناً بخجل إلى السطح ثم تعود لتختفي. أبقى أفراد الأسرة المالكة غضبهم مكبوتاً فترة وجيزة، ليسارعوا إلى تفجيره غضباً، باللجوء إلى استثناء رئيس الجمهورية من الدعوة إلى قمة الرياض. فالدعوات اللبنانية اقتصرت على رئيس الحكومة سعد الحريري بغضّ النظر عن أنّ الشيخ سعد يحافظ حتى الساعة على طيب العلاقة مع الرئيس عون لدواعٍ شخصية، وربما يكون موقفه غير كافٍ لاستشراف استمرار الانضباط بقواعد التعاطي السعودي ما بعد 31 تشرين الأول الماضي.
الأكيد، أنّ الالتباسات في العلاقة بين السعودية والعهد تجنح باتجاه الإشكالية والاضطراب. وما على الرئيس المقاوم، كما يقول القطب نفسه، إلا تطوير علاقته مع قطر. فهما في حالة واحدة. الموقعان متشابهان لا يريدان توتير العلاقة مع المملكة، في الوقت نفسه لديهما خصوصية علاقاتهما الداخلية والخارجية. الرئيس عون تربطه بحزب الله وثيقة مار مخايل التاريخية، وبإيران وسورية علاقات وطيدة فضلاً عن قطر وتركيا. أما الدوحة فتدعم الإخوان المسلمين بالدرجة الأولى وتربطها مصالح اقتصادية وسياسية بطهران وأنقرة. كلّ ذلك لا يطيب للمملكة. لقد قالت كلمتها للرئيس عون ولأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني: إما معي ضدّ حزب الله والإخوان وإما ضدّي...